ويظهر الاختلاف كثيراً في الحد الشرقي إلا أن الرأي المتفق عليه أن شرقي السراة وما سال من ذات عرق شرقاً يسمى نجداً.
وفيما يلي عرض لأهم آراء المؤرخين والجغرافيين والفقهاء المتأخرين والمعاصرين :
يذكر فؤاد حمزة أن جبال السراة هي التي تقسم جزيرة العرب إلى قسمين شرقي وغربي، وهي محاذية لساحل البحر الأحمر من شمال مدين إلى اليمن، وقد سميت حجازاً لأنها حجزت بين ساحل البحر الأحمر وهو هابط عن مستواها وبين النجاد الشرقية المرتفعة بالنسبة إلى الساحل الغربي، وقد سمى القسم الهابط عن مستوى الحجاز إلى الغرب بتهامة، وسمي القسم الشرقي منه نجداً.(20)
ويستعرض عمر رضا كحالة مجموعة من التعاريف والآراء حول تحديد الحجاز جغرافياً.
فيقول : الحجاز يقع في الناحية الشمالية الغربية من شبه جزيرة العرب وهو إقليم مستطيل اختلف في حدوده السياسية باختلاف العصور والدول كما تعددت الأقوال في حدوده الطبيعية" وينقل رأياً لحافظ وهبه من أن الحجاز يمتد من معان ماراً برأس خليج العقبة إلى نقطة بين الليث والقنفذة على شاطئ البحر الأحمر كما ينقل عن شرف البركاتي الذي يحدد الحجاز غرباً بالبحر الأحمر وشرقاً بالبادية الكبرى وجنوباً بلاد قبيلة بني مالك بجبل السراة ووادي دوقة على الساحل، وشمالاً من جهة البحر الأحمر العقبة.
أما أمين الريحاني فيوضح حدود الحجاز في جهة الغرب بالبحر الأحمر وفي الشمال بالعقبة وفي الجنوب بالقنفذة وجبال عسير، أما في الشرق فيرى أنها مختلف عليها وغير معروفة تماماً في رأيه.(21)
ويرى صالح العلي أن القول بأن السراة هي الحجاز غير وافٍ ولا دقيق، فمن المعروف أن بعض أقسام السراة وخاصة ما كان فيها في الجنوب والشمال لا تسمى حجازاً وإن مسمى الحجاز يتركز في وسط السلسلة، وبعد عرض ونقاش لآراء المؤرخين والجغرافيين المتقدمين ينتهي إلى أن الرواة العرب أدركوا الأسس الجغرافية لتحديد الحجاز فاعتبروه الحد الفاصل بين تهامة ونجد غير أن التوسع في الجهة الشرقية كان متأثراً بالتنظيمات الإدارية في زمان كل مؤلف.(22)
ويقدم أحمد الشريف تحديدًا للحجاز لعله أكثر وضوحاً حيث يرى أن الحجاز في العرف لا يقتصر على الجبال الممتدة من خليج العقبة إلى عسير بل يشمل تهامة. ويقدر المسافة من الشمال إلى الجنوب بـ سبعمائة ميل طولاً، ومائتين وخمسين ميلاً عرضاً. إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن هذه الأطوال قد تتفاوت من موقع إلى آخر بحسب قرب الجبال وبعدها عن البحر، ويشمل القسم الشمالي من الحجاز في رأيه أرض مدين "وحسمي"، وهي الجبال الواقعة شمال تبوك مما يلي أيلة "العقبة".(23)
ويرى الباحث المعاصر عاتق البلادي أن أوسط الأقوال في تحديد الحجاز أنه يمتد من الشراة في الأردن إلى حَلِي، وتثليث، وجرش جنوباً، وتدخل فيه تهامة الممتدة من حلي إلى العقبة، ومن الشرق ينتهي إلى أن خير الأقوال من حدد الحجاز بالقرب من الحناكية. (24)
وفي مقدمة كتابه "معجم معالم الحجاز" يقول: (أما المعالم التي تناولها الكتاب فهي من جنوب الليث جنوباً إلى العقبة والمدورة "سرغ" شمالاً ومن الشرق على الخرمة والموية وحرة كشب ورحرحان ـ شرق الحناكية ـ ثم شرق تيماء إلى الطبَّيق "جوش") (25)فهذه حدود الحجاز عنده.
وبعد استعراض دقيق لآراء المؤرخين والجغرافيين حول تحديد الحجاز ينتهي بكر أبو زيد (26) إلى أن الحجاز بالجملة مكة، والمدينة، ومخاليفهما، وتلك الحرار، وما انحاز عنها غرباً إلى ساحل البحر الأحمر.(27)
وبعد عرض آراء الباحثين والجغرافيين والفقهاء مبتدأً برأي الإمام الفقيه الشافعي رحمه الله ومنتهياً برأي الشيخ بكر أبو زيد الفقيه المعاصر يتضح لنا أن المدينتين المقدستين مكة والمدينة، ومخاليفهما وحرارهما، وساحل البحر الأحمر من أيلة " العقبة" حتى ميناء السرين جنوب الليث وما يقابل الساحل شرقاً ويسامته من جبال السراة جنوب الطائف هو المقصود بالحجاز. وأما الاختلاف من جهة الشرق فإن للتقسيمات الإدارية عبر العصور أثراً في هذا الاختلاف حيث تتسع في زمن وتضيق في زمن آخر، فقد اعتبر الإمام الشافعي اليمامة من الحجاز لأنها كانت في عصره تابعة لوالي الحجاز.