حدود الحجاز الجغرافية التاريخية
ما أن يذكر الحجاز إلا وتتوق النفوس شوقاً إلى تلك الديار المقدسة. فهو عند المسلمين في موقع القلب من الجسد؛ وموقع النون من العين، ففيه بيت الله الحرام وكعبته المشرفة، ومشاعر الحج، منى وعرفات ومزدلفة، وفيه مسجد المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومرقده الشريف.
ما أن يذكر الحجاز إلا وتتوق النفوس شوقاً إلى تلك الديار المقدسة. فهو عند المسلمين في موقع القلب من الجسد؛ وموقع النون من العين، ففيه بيت الله الحرام وكعبته المشرفة، ومشاعر الحج، منى وعرفات ومزدلفة، وفيه مسجد المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومرقده الشريف.
وفي الجاهلية سارت بين شعابه وفي بطون أوديته رحلتا الشتاء والصيف، وفي الإسلام كان الحجاز محور الاهتمام ونقطة الارتكاز لكثير من الأحداث.
فأرضه استقبلت رسالة الإسلام الخالدة فنزلت آيات الذكر الحكيم، وترددت أحاديث النبي الكريم وجرت غزوات وسرايا نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. ومن الحجاز انطلقت رايات أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لنشر دين الله الحق المبين، وإلى الحجاز يأرز الإسلام وأهله كما تأرز الحية إلى جحرها.
في مادة حجز من "لسان العرب" قال: الحجز: الفصل بين الشيئين، حَجَز بينهما يحجز حجزاً فاحتجز؛ واسم ما فصل بينهما الحاجز. وقيل: الحجز أن تحجز بين متقاتلين، والحجاز الاسم، وكذلك الحاجز. ومن ذلك قول الله تعالى : { أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون } الآية (1)
حاجزاً أي بمعنى حجازاً بين ماء مالح وماء عذب لا يختلطان. ويعنى الحجاز أيضاً في لغة العرب الحبل الذي يلقى للبعير من قبل رجليه ثم يناخ عليه ثم يشد به رسغا رجليه إلى حقويه وعجزه، فيقال منه حجزت البعير أحجزه حجزاً، فهو محجوز.(2)
ويرى ياقوت أن الحجاز بكسر الحاء وآخره زاي، وينقل عن الأنباري أن في الحجاز وجهين يجوز أن يكون مأخوذاً من قول العرب حجز الرجل بعيره يحجزه إذا شده شداً يقيده به، ويقال للحبل حجازاً، ويجوز أن يكون سمي حجازاً يحتجز بالجبال، يقال: احتجزت المرأة إذا شدت ثيابها على وسطها واتزرت.(3)
ومن هذا يتبين أن المعنى اللغوي للحجاز عند العرب يعني الفصل بين الشيئين، وهي كما ترى لا تختلف في مجملها ومؤداها عن الحجز والمنع والفصل وذلك ماينطبق جغرافياً على الحجاز.
التحديد الجغرافي :
نعرض فيما يلي جملة من الآراء لعدد من الفقهاء والجغرافيين والمؤرخين من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين. التي تحدد المقصود من الحجاز جغرافياً.
يرى الإمام الشافعي رحمه الله (ت 204) أن الحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها، ولا يحب دخول مشرك بلاد الحجاز، ولا يقيم الذمي أكثر من ثلاث ليال، لكنه لا يرى مانعاً من أن يركب أهل الذمة بحر الحجاز، ويمنعون من المقام في سواحله، وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر، وجبال تسكن منعوا سكناها لأنها من أرض الحجاز.(4)
ويذكر عرام السلمي (المتوفى في القرن الثالث الهجري) أن الحجاز من معدن النقرة (5)إلى المدينة، فنصف المدينـة في رأيه حجازي ونصفها تهامي.(6)
وهو يشير بذلك إلى جزء من الحد الشرقي للحجاز في رأيه.
أما الهمداني (ت334هـ) فيرى أن جبل السراة من أعظم جبال العرب ويمتد من قعرة اليمن حتى أطراف بوادي الشام لذا أسماه العرب حجازاً لأنه حجز بين الغور (أي تهامة) وبين نجد، فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعك وحكم وكنانة وغيرها، ودونها إلى ذات عرق والجحفة (7)وما صاقبها وغار من أرضها، وأما ما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحدر إلى ناحية فيد وجبلي طيء إلى المدينة وراجعاً إلى أرض مذحج من تثليث وما دونها إلى ناحية فيد حجازاً.(
ويحدد الإصطخري (ت340هـ) الحجاز بأنه ما كان من حد السرين على بحر فارس (9)إلى قرب مدين راجعاً في حد المشرق على الحجر إلى جبلي طيء ممتداً على ظهر اليمامة إلى بحر فارس فمن الحجاز.(10)
ونفس التحديد يراه ابن حوقل (ت367هـ) بالنص.(11)
وينقل البكرى (ت487هـ) جملة من الآراء حول تحديد الحجاز ومنها أن ذات عرق فصل مابين تهامة ونجد والحجاز، والحجاز: ما حجز فيما بين اليمامة والعروض، وفيما بين اليمن ونجد، كما أن الحجاز اثنتا عشرة داراً: المدينة، وخيبر وفدك، وذو المروة، ودار بلي، ودار أشجع ودار مزينة، ودار جهينة، ودار بعض بني بكر بن معاوية، ودار بعض هوازن، وجل سُليم، وجل هلال. وحد الحجاز الأول بطن نخل وأعلى رُمة وظهر حرة ليلى. والثاني مما يلي الشام: شغب وبدا. والثالث مما يلي تهامة وبدر والسقيا ورُهاط وعكاظ. والرابع مما يلي ساية وودان، ثم ينعرج إلى الحد الأول بطن نخل وأعلى رُمة. ومكة من تهامة، والمدينة من الحجاز. (12) وهو يشير بذلك إلى السراة. كذلك الحال بالنسبة لياقوت (ت626هـ) الذى يرى أن الحجاز يمتد من تخوم صنعاء من العبلاء وتباله إلى تخوم الشام، كما يذكر قولاً آخر أن فلسطين من الحجاز.(13)
ولابن المجاور (ت691هـ) رأي في تحديد الحجاز يلتقي فيه مع الاصطخري من أنه يمتد من السرين على بحر فارس إلى قرب مدين إلى حد الشرق على هجر إلى جبلي طيء ممتداً على ظهر اليمامة إلى بحر فارس من الحجاز.(14)
أما الفاسي فإنه يناقش الآراء حول تحديد الحجاز ويفند بعضها مثل القول أن نجران من مخاليف مكة مشيراً إلى أن نجران ليست من الحجاز وإن كانت من مخاليف مكة وينفي أيضاً أن تكون بلاد بجيلة (15)من الحجاز. ويؤيد رأي الإمام الشافعي في تحديد الحجاز.(16)
ولا يختلف رأي الحميري (ت900هـ) في تحديد الحجاز عن الهمداني أو البكري أو ياقوت بل هو تكرار ونقل لأقوالهم.(17)
ويؤكد العياشي الذي حج عام (1074هـ) في رحلته أن العقبة هي (أول أرض الحجاز ... فإن من هنالك تخالف الأرض ما قبلها وتباين الجبال ما سواها ويشتد شبهها بجبال الحجاز السود ويتقوى الحر وتسترمل الأرض).(18)
ويقدم السنجاري (ت1125هـ) تحديداً عاماً غير دقيق مدخلاً اليمامة واليمن ومخاليفها في الحجاز.(19)
من خلال العرض السابق لأهم آراء المتقدمين من الفقهاء والجغرافيين والمؤرخين. في تحديد إقليم الحجاز، ورغم التفاوت الظاهر بين بعض الآراء في دقة التحديد إلا أن من المتفق عليه بينهم أن جبال السراة، تمثل الحجاز من حيث الوصف الجغرافي وتمتد من بادية الشام إلى تخوم اليمن، وينحصر مسمى الحجاز التاريخي من جنوب الطائف في السراة، والسرين في الساحل حتى العقبة وجبال الشراة في تخوم الأردن، وساحل البحر بين العقبة شمالاً والسرين جنوباً يسمى تهامة الحجاز وهو جزء منه وتقع مكة في تهامة والمدينة في الحجاز.