دور الأسلام في الفكر الجغرافي العربي للدكتور سعدون شلال

جامعة الكوفة
كلية القائد للتربية للبنات
قسم الجغرافية

الاستاذ المساعـد الدكتور
سـعـدون شـلال

2002

1. مقـدمـة :
لميكن علم الجغرافية الا علماً من العلوم التي نالت اهتمام العرب بشكل لايقل عن اهتمامهم بالعلوم الاخرى . فلقد نمت عندهم المعرفة الجغرافية عبرالمراحل التاريخية المختلفة بدءا من عصور ما قبل الإسلام ، اذ كان لهممعرفة أولية بالمعارف الجغرافية تجسدت في قصائدهم التي ضمت كثيراً منأسماء الأماكن والكواكب والنجوم ،فضلاً عن اهتمامهم بالانواء الجويةومعرفتهم بمواسم المطر والريح.
وبعدان حدث الحدث العظيم في الجزيرة العربية والمتمثل في "الإسلام" ازدادتالحاجة الى المعرفة الجغرافية لما حوته تعاليم الإسلام من حث كبير علىالعلم وقد تجسد ذلك في الشواهد القرآنية الكثيرة التي تحدثت عن الأرضوالسماء والكثير من الأماكن الامر الذي دعا كثيراً من المسلمين إلى محاولةالبحث والتفكير في ذلك . فضلاً عن إن الكثير من الأحاديث النبوية الشريفةقد مدت المسلمين بالكثير من المعلومات الجغرافية.
وبعدأن أمدِّ الله عزّ وجل المسلمين بفضله لفتح البلدان غير المسلمة ازدادتالحاجة الى المعرفة الجغرافية كيما يتعرفوا على مناطق تلك البلدان والتيوصلت اليها فتوحاتهم العربية الإسلامية ،مما تمخض عنه جمع المزيد منالمعلومات العلمية والجغرافية والتي ساهمت في تكوين الصورة التي يحتاجهاالقائد لادارة دفة شؤون الدولة العربية الإسلامية الفتية .وبعد ان امتدالأمن الذي بورك برعاية هذه الدولة ازداد وانتعش النشاط التجاري بينالبلدان المختلفة فضلأ عن ان رحلة العلم الى البلاد العربية المسلمة منتلك الامصار التي فتحت ورغبة الحجيج في الوصول الى الديار المقدسة فيالجزيرة العربية كان لا بد من ان يرتبط بالحاجة الى المعرفة الجغرافيةالتي ولدتها هذه الامور . وقد ساهم اختلاط العرب مع الأقوام الأخرىبإمدادهم بالمعرفة الجغرافية ايضاً الامر الذي رسخّ لديهم محاولة تقويمهذه المعرفة من خلال خبرتهم ومعرفتهم بتلك المعارف فأضافوا لتلك الاقوامالكثير مثلما اخذوا عنهم وابتكروا اساليباً جديدة كانت صوراً واضحةلقدراتهم الابداعية معكوسة في مصنفات جغرافية عديدة كالجغرافية الفلكيةوالاقليمية ومصنفات الجغرافيين اللغويين أعقبها ظهور مصنفات أخرى كانت قداختصت بالمسالك والممالك والبلدان وبهذا تكون هذه المصنفات دليلاً علىوصول علم الجغرافية العربية مكانة لا بأس بها آدت الى إرساء قواعد لمدرسهجغرافية عربية جديدة .
ومنهنا ياتي هذا البحث ليلقي الضوء على نشوء المعرفة الجغرافية وتطورها عندالعرب المسلمين ومساهماتهم العلمية في الفكر الجغرافي العربي.

2. الهدف من البحث:

يهدفهذا البحث الى ابراز دور الاسلام في دفع العرب نحو المزيد من الجغرافيةوالتي كانت لديـهم الكثير منها ،بحـكم الاستيطان والتنقل طلباً للعيش لهمولحيواناتهم .

3. المعرفة الجغرافية قبل الاسلام :

كانللعرب بحكم ان الجزيرة العربية موطنهم معرفة قيمة بكل بقعة من بقاعهافخبروها في تنقلهم بين البوادي التي كانت تحوي والوديان التي تنتشر فيهاوكذلك السهول والجبال طلباً للعيش لهم ولحيواناتهم الامر الذي دفعهمللتعرف على مواطن تجمع مياه الامطار والقرى التي كانت تنتشر في هذهالجزيرة فضلاً عن مدنها وكانوا في هذا التنقل قد لجأوا الى النجم يهتدونبه ليلاً، لذلك فكان لا بد من ان يهتموا بمطالع هذا النجم او ذاك ويعرفوااسماء الكواكب .وكانوا يهتمون بالقمر اهتماماً خاصاً.وقد تجسد هذاالاهتمام عند العرب بقصائدهم الشعرية التي لخصت كثيراً من اشكال حياتهم فيالمواقع الجغرافية سواء كان هذا الموقع ينبوع ماء او نهير صغير او قريةعامرة او مدينة معروفة.

وكانت معرفتهم الجغرافية تتلخص في الاشكال التالية:

أ. معرفة العرب بالاحوال الجوية:
سمـى العرب هذه المـعرفة والتي كـانوا سباقـون فيـها بـ( المعرفة بالانواء )،والانواء باللغة العربية هي((سقوط نجم في المغرب وطلوع اخر في المشرق،فالساقطة في المغرب هي الانواء والطالعة في المشرق هي البوارج ))(1)وعلى ذلك فان النوء كما يفهم منه في العربية له علاقة بسقوط نجم وطلوع أخروكان مّرد هذا الاهتمام عند العرب بهذا الشيء لعلاقته كما كانوا يعتقدونبالمطر والرياح والحر والبرد والتي تنشأ عن النجوم الساقطة (2).كما وكانوايعتقدون ان((لا بد لكل كوكب من مطر او ريح او برد او حر فينسبون ذلك الى النجم واذا قضت مدة النوء ولم يكن فيها مطر قيل نجم خوى ))(3).وقد اثبت العلم عدم صحة هذا.ولذلك فان الاسلام قد نهى عن ذلك باعتباره امرأ جاهلياً وقد جاء ذلك في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام((ثلاث من امور الجاهلية الطعن في الانساب والنياحة والانواء ))(4).
انالحاجة الماسة للمطر واهمية الماء في حياة العرب كانت دافعاً لهم لمحاولةتعرفهم على الرياح والمطر والنجوم والكواكب والقمر ومنازله،كون ان الظروفالجغرافية التي تتصف بها الجزيرة العربية ظروفاً قاسية تمثلت بقلة المواردوالماشية بكل اشكالها.فكان العرب في حالة انتظار وترقب لهبوب الرياحالمسؤولة عن سقوط المطر مما وّلد عندهم اهتماماً بمعرفة اوقات هبوبهاواسماءها(5)الامر الذي جعل الكثير من القصائد تأتي على ذكر الرياح كريحالصب في قصيدة لامرئ القيس وريح الجنوب في قصيدة لزهير بن ابي سلمى(6)ولهذا كله فان اهتمام العرب بالنجوم ومنازل القمر جاء متأثراً برغبتهملمعرفة الاحوال الجوية التي تؤثر في حياتهم اليومية .مما دفع الباحثون الىان يوصلوا عدد النجوم التي عرفها العرب وحملت تسمية عربية خالصة الى اكثرمن مئتين وخمسين نجماً(7).
ولاتقلمعرفتهم بالقمر عن معرفتهم بالنجوم حيث جاءت الحاجة اليه مكملاً لحاجتهمالى النجم فكانوا ذا حاجة قصوى له ايام سفرهم واماسيهم الليلية ولهذا كانيحظى باهتمامهم الكبير الامر الذي دعاهم الى معرفة اوقات شروقه واوقاتافوله( Cool

. ومن هنا جاء اهتمام القران الكريم بهذا التابع الارضي لكي يعكساهتمام العرب به ففي سورة ياسين اشارة واضحة الى الادوار التي يمر بهاالقمر والتي يسميها العرب بالمنازل (( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم))(9)وكان الاعتقاد بتأثير النجم في حياة الانسان عند العرب سائداً الامر الذيدعاهم الى الاهتمام بما يعرف ب( التنجيم) حيث يتوجب فيه معرفة خط الطولودائرة العرض لضمان تحديد موقع الظاهرة على الارض ،ومن هنا وجد علم الفلكالاساس له فيما بعد(10).وفي ظل عدم استقرار الحياة في الجزيرة واضطرابهاوجدت الرغبة في معرفة الطالع مكانتها عندهم فازدهر التنجيم الذي يربط بينالنجم والحظ حتى اصبح له رجاله ونساءه المؤثرين حتى في شؤون الحياة العامةللعرب(11).
اذن نستطيع القولان اهتداء العرب بالنجم اثناء اسفارهم البرية او البحرية قد وّلد لديهمهذه المعرفة العالية بالنجوم .ويؤكد القران الكريم هذا الامر حين خاطبهمبقـوله تعـالى ((وهو الذي جعل لـكم النجوم لتهتدوا بـها في ظلمات البر والبحر ))(12)فيماكانت حركات القمر مستخدمة عندهم في حساب ايامهم وشهورهم وبالتالي المواسمالتي طالما اعتزوا بها وكانت لهم اشبه بالشعائر الموسمية والسنوية وحينخاطبهم القران الكريم بقوله تعالى((يسئلونك عن الاهله،قل هي مواقيت للناس والحج))(13)ومماتقدم كله نستطيع ان نستنتج ان معرفة العرب بالنجم والكواكب والاحوالالجوية هي معرفة تأصلت عندهم ولم يكونوا بحاجة الى ان يتعرفوا عليها منالاقوام التي جاوروها او التي ربطتهم بها علاقات تجارية اوسياسية ،بل انعلم التنجيم يكاد ان يكون علماً عربياً اصيلاً اختص به العرب وان اهتمت بهالاقوام الاخرى فهو امر نابع من حاجة تولدت عندهم لهذا الاهتمام.

ب. الظاهرة الجغرافية في الشعر العربي القديم:
لايخفى على المتذوقين للشعر العربي القديم وصف الشاعر العربي في تلك المدةمن الزمن لمظاهر البيئة الجغرافية المحيطة به ، لذلك نستطيع اٍذ ما تصفحنادواوين شعرهم ان نجد اسماءاً كثيرة لاماكن عديدة ذوات دلالات جغرافيةواضحة المعنى في الاشارة الى ما يريد الشاعر ان يقوله عنها سواء كانت هذهالاشارة تخص مدينة او جبلاً او وادياً او نهراً الخ من اشكال المواضعوالمواقع والمظاهر الجغرافية ، وقد عرف الكثير من الشعراء بترحالهم الىمناطق عديدة خارج الجزيرة العربية الامر الذي دعاهم الى وصفها في شعرهمحتى وردت الكثير من الاشارات في القصائد التي كانوا ينظمونها لتعطي وصفاًجغرافياً دقيقاً لتلك المناطق حتى تستطيع ان تعدها جزءاً من الادبالجغرافي الذي ساد في تلك الحقبة من الزمن. ومن هنا يمكن القول ان دائرةالمعرفة الجغرافية عند العرب لم تقتصر على جزيرتهم فحسب بل تعدى ذلك الىمناطق عديدة ربطتها مع الجزيرة علاقات تجارية وسياسية كمدن الشام والعراقمثلاً . وبالتالي فان الشعر العربي اصبح وثيقة مهمة حفظت الكثير من الارثالحضاري والعلمي العربي الامر الذي من خلاله يمكن القول ان الشعراء العربالقدامى قد سبقوا الرحالة العرب والذي نعد نتاجاتهم اساس الفكر الجغرافيالعربي في وصف البلدان والامصار التي ارتحلوا لها او زاروها لان وصفالشاعر كان وصفاً دقيقاً وعلمياً يستطيع الباحث ان يستشف من ثناياهدلالاته العلمية على المكان وبيئته الجغرافية رغم كونه ليس بمثل السعةالتي كان يصف بها الرحالة تلك الامصار التي زارها(14).

جـ. اثر التجارة في المعرفة الجغرافية:
لميكن العرب امة مغلوقة على نفسهابل كانوا امة محبة للتطلع تواقة للتوصل الىحقائق المعارف المختلفة الامر الذي ولّد عندهم شعوراً بالفخر فيما بعد فيتفوقهم التجاري تحقيقاً لمتطلبات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت تعزعليهم في عطاءها بسبب موقعها الجغرافي الذي لم يمنحها الفرصة في تقديممتطلبات العيش اليومية لهم بشكلها المريح ومن هنا كانت رحلاتهم التجاريةوالتي ساهمت مساهمة فعالة في امدادهم بالمعلومات الجغرافية المختلفة.وكانت هذه الرحلات على نوعين برية وبحرية .فكانت قريش في فصل الشتاء لهاتجارة رائجة مع اليمن هذا البلد الذي يقترب موقعه الجغرافي من خط الاستواءالامر الذي يعني اعتدال هذا الفصل فيه ،اما فصل الصيف فكانت التجارة رائجةمع الشام وقد وصف القران الكريم هذا الامر في سورة الايلاف بقوله تعالى ((لايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف))وقداشارت الكثير من المصادر الى ان التجارة لم تكن مع الشام واليمن فقط بلكانت هناك تجارة رائجة مع العراق ايضاً لخصتها علاقات العرب المكيين معملوك الحيرة(15).فضلاً عن علاقات تجارية مع الحبشة في افريقيا وكان ميناءجدة ميناءاً عامراً في تلك الحقبة من الزمن كدليل على قوة العلاقاتالتجارية بين العرب وافريقيا.
وهناكادلة كثيرة على وجود مثل هذه الصلات التجارية عكسها وجود الطرق المستخدمةمن قبل القوافل التجارية للوصول الى مراكز التجارة المهمة .فالعرب فياليمن كانوا يتاجرون مع العرب في الشام عن طريق بري يمر بقوافلهم فيالحجاز حتى تستطيع ان تشير الى هذا الطريق في الوقت الحاضر مع قليل منالتغيير ،وكانت هناك مراكز تجارية ذاع صيتها في وقت ازدهار التجارةالعربية مع الاقوام والامم المجاورة حيث كان لهذه المراكز دورها في تقديمالخدمة للقوافل التجارية فضلاً عن كونها بذاتها مركزاً تجارياً كالبتراءمثلاً والتي كان يعدها الباحثون اهم مفرق طرق يمر بها المعينيون والسبئيونحيث يتفرع منها طريقان الاول يتجه نحو بلاد الشام عبر المرور بالبحر الميتوالاخر يتجه نحو ميناء غزة لمن يريد ان يتاجر مع اوعبر هذا الميناء.والادلة على هذا الكلام كثيرة ولا باس من ان نشير الى ان جد الرسولالكريم الاعلى وهو(هاشم بن عبد مناف) كان تاجراً كبيراً له تجارته مع بلادالشام وقد توفاه الله في مدينة غزة التي تحتضن قبره حالياً(16). وهناكمراكز للتجارة عدة كانت لها علاقاتها الوطيدة مع العرب مثل بصرى وتدمروشعيبة فضلاً عن تجارتهم البحرية مع ارتيريا والصومال والسواحل الهنديةوالصينية .وكل ذلك يدل على ان للعرب تجارة رائجة مع كثير من الاقواموالامم التي جاورت بلادهم الامر الذي امدهم بمعلومات جغرافية كانت الاساسللفكر الجغرافي العربي القديم.

4. أثر القرآن في تطور المعرفة الجغرافية عند العرب:
لميكن الاسلام في حقيقته الاّ ديناً حريصاً على ان تكون مضامين الحياةواشكالها بصورة تتيح للانسان العيش بشكل كريم يحترم فيها ذاته ويحترم فيهااخيه الانسان.وبالتالي فان هذا الامر لن يتحقق الا بدفع الانسان نحو القيمالعليا التي تنشأ من حصوله على المعرفة العلمية والتي بواسطتها يصلالانسان الى مبتغاه .ولهذا فعندما انتشر الاسلام في الجزيرة العربية اولالامر ومن ثم في البلاد الاسلامية الاخرى حث كثيراً على العلم ،واحتضنرجاله العلماء بشكل يسَّر وسهل لهم طرق البحث والتفكير والتأمل وهناكاشارات عديدة في القرآن الكريم تدل على رغبة الاسلام في دفع الانسان نحوتطوير معرفته العلمية الامر الذي شكل في حد ذاته حافزاً كبيراً لكثير منالمسلمين على مواصلة درب البحث وتقصي الحقائق وفي هذا الشأن يقول سبحانهوتعالى في كتابه الكريم ((يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات))(17)فضلاًعن ان الحث على العلم والتعلم كان دأب ايات القرآن الكريم حتى ان كلمات(العقل والعلم والحكمة)وردت فيها باعداد تصل الى 48 مرة للعقل و800 مرةللعلم و16 مرة للحكمة(18).
وبماان القرآن الكريم هو كتاب المسلمين المقدس فكان لا بد من ان تكون حياتهمتدور حوله في حرصهم على تنفيذ تعاليمه والآخذ منه بامور على انها نواميسحقيقية لا تقبل الجدل ولا الشك. وعطفاً على هذا الامر نجد هناك اشاراتواضحة لا تقبل اللبس فيها معلومات فلكية وجغرافية مهمة فسورتا النجموالنحل فيها هذه الاشارات الصريحة فضلاً عن ان سورة ياسين قد اشارتباشارات دقيقة الى ان حركة الشمس والقمر قد ضبطت بشكل محكم بنظام دبرهالله القادر بحكمته (( لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون )) والعارفونبالجغرافية يعرفون ماذا سيحدث لو ان القمر خرج عن مداره قليلاً او انالشمس بعدت او قربت من الكواكب التي تدور حولها وبالتالي فان فكرة خلقالسموات والارض كانت عند المسلمين في شكل حقائق قبل ان توضع لها نظرياتعند العرب فيما بعد بزمن طويل ،فضلاً عن اشارات تخص الارض هي الاخرى واضحةكل الوضوح تتحدث عن انبساطها وتمهيدها بشكل يستطيع الانسان من خلاله انيعيش بشكل يؤدي فيه الغرض الاساس من وجوده وخلقه على الارض ووضحت فكرةالانبساط والتمهيد هذه في الاية القرانية الكريمة والتي تقول ((الم نجعل الارض مهداً))(19).
ويضافالى ما تقدم ان الاشارات في القران الكريم عن الجغرافية الطبيعية كانتواضحة وقد شكّلت في حد ذاتها حقائق علمية لم يستطيع العلم رغم وضوحها انيثبتها الا حديثاً الامر الذي يشكل لدى الباحث قناعة كاملة بان الفكرالجغرافي العربي المسلم كان فكراً متقدماً في جميع جوانبه وقد ساهم مساهمةفعالة في تقديم الاساس المتين للصورة العلمية الواضحة التي كان عليهاالمجتمع العربي في ذلك الوقت.
فالقرانجاء على ذكر مواقع جغرافية فيها دلالات عميقة على اهمية هذا الموقع فيحياة الانسان العربي سواء كان في الجزيرة او في خارجها ،فلقد ورد اسم(مكة) باسماء عّدة ربما كان القصد منها ان ترد في الاسماء التي كان العربيعرفونها بها وبالتالي فان القران يخاطبهم بمعرفتهم الجغرافية لتلكالاماكن فيقول سبحانه وتعالى (( لتنذر أم القرى ومن حولها ))((20) او (( ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً))(21)ولمتكن مكة هي الموقع الجغرافي الوحيد الذي ذكر بل ذكرت مواقع كبابل ومصرومدين. ففي سورة البقرة أية 102 ورّد اسم بابل بقوله تعالى ((وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت )) او ذكر معه في سورة يوسف آية 21((وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته اكرمي مثواه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولداً)) او ذكر مدين في سورة هود اية 84 ((الى مدين اخاهم شعيباً))وقد وردت اشارات عديدة في القرآن الكريم تخص قريش والروم وياجوج ومأجوجوديار ثمود والوادي المقدس والحجر وسبأ(22).ان تلك الاشارات كانت ذات دافعقوي لان تشغل فكر المسلمين وبالتالي فانهم لا شك سيرغبون في معرفة هذهالاقوام او تلك المواقع الجغرافية التي وردت الاشارة لها بشكل صريح فيايات القران الكريم الامر الذي سيدفعهم الى الارتحال الى تلك الاماكنلاثبات دقة وصحة ما ورّد في القرآن الكريم لتكون دليلاً بليغاً ضدالمشركين وبالتالي اضافة كبيرة للحركة والنهضة العلمية التي انتعشت بمجئالاسلام ،ولا بأس من الاشارة الى الرحلة العلمية التي اوفدها الخليفةالعباسي (الواثق بالله)الى مكان سد يأجوج وماجوج للاطلاع عليه حيث ورد ذكرقصة الرحلة في كتاب ابن خردذابه الموسوم المسالك والممالك .ولان الماء كانيشكل هاجساً في حياة العرب فقد شغلوا به كثيراً وعندما نزلت الاياتالكريمة التي تتحدث عن الماء والامطار والبحار كان لا بد من ان يبدأ معهاالعلماء والعرب في تقصي الحقائق المتعلقة بذلك والتي اشاَّر اليها القرآنالكريم ففي سورة الرحمن أية 19- 20 ورد ذكر البحر في قوله تعالى ((مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)) ومنهنا بدأت الرحلة العلمية لمعرفة مكان هذين البحرين وموضع الحاجز الذي حالدون ان يتمازجا فوردت اشارات كثيرة الى ان هذين البحرين هو (المحيط الهنديوالبحر المتوسط) وان البرزخ الذي بينهما هو البحر الاحمر(24). وتم تأييدهذا القول حديثاً من قبل المستشرق كراتشكوفكي حين حدد هذا البرزخ ببرزخالسويس(25) في حين وردت اشارات قوية تدل على ان هذا الموضع هو نهاية نهريدجلة والفرات الممثلة بشط العرب والخليج العربي لان العرب كانت تطلق لفظةبحر على الانهار الكبرى دائماً(26).
اذننستطيع ان نخلص الى القول بأنه كان للقرأن الكريم دوُر رائد في تزويدالفكر الجغرافي العربي بالكثير من المفردات التي صاغها البحاثة فيما بعدليؤسسوا بها النواة الاولى ذات القاعدة العريضة لهذا الفكر.
فضلاًعن ان تلك المعلومات كانت معلومات دقيقة لا تحتاج الى اثبات بقدر ما تحتاجالى اكتشاف لانها معلومات لم تكن للارادة البشرية دور فيها بل ان العنايةالالهية كانت الفيصل في تحقيقها وتوقيعها على او في محيط الكرة الارضية.

5. اثر الحديث في تطور المعرفة الجغرافية عند العرب:

تشكلالسنة النبوية الشريفة المصدر الثاني للتشريع عند المسلمين ،ويقصد بالسنةهي كل الافعال التي صدرت عن النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) او الاقوالالتي اقر بصحتها . والسنة هذه تاتي بعد القرآن الكريم في اهميتها وذلك لماتضمنته من احكام شرعية وشرح لما عَسُّر في الفهم على المسلمين من اياتالقرآن الكريم ولذا فان كل افعال واقوال الرسول عليه الصلاة والسلام كانتولا زالت منهاج عمل المسلمين . وقد وردت عنه عليه الصلاة والسلام الكثيرمن الاقوال التي تحث على طلب العلم ،فهو يقول عليه الصلاة والسلام ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً الى الجنة))(27).وهذا القول يحمل في ثناياه دعوة مفتوحة لكل المسلمين على طلب العلموالاستزادة منه ،وما دام نضال المسلمين في الحياة على الارض جائزته الجنةفي نهاية الامر فان طلب العلم هو جزء من هذا النضال ولا شك في ان الخطىعلى هذا الطريق سيوصل الى تطور المعرفة في الامة الاسلامية الامر الذييشكل نهضتها ،وهو يقول ايضاً عليه الصلاة والسلام (( من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع))(28).وهنا ساوى عليه الصلاة والسلام بين الجهاد في سبيل الله في ساحة المعركةبكل ما تحمله هذه المسالة وبين طلب العلم وبالتالي فان في ذلك دلالة عميقةعلى حرص الاسلام في تثبيت اركان التطور العلمي الذي تقوم عليه الدعائمالاساسية لتطور الامم .فضلاً عن ان الرسول عليه الصلاة والسلام كان فياحاديثه يذكر كثيراً من المواضع والمواقع الجغرافية التي تحمل في ثناياهاخصوصيات البيئة الجغرافية والتي لا تأتي الاّ للعارفين عنها الكثير اوالذين كانوا من سكان تلك المواضع ،فهو عليه الصلاة والسلام يوصي المسلمينبان يتصرفوا مع سكان ارضٍ سيفتحونها تصرفاً حسناً وخيراً حين يقول لهم وهويقصد مصر((انكم ستفتحون ارضاً فيها القيراط ،فاستوصوا باهلها خيراً فان لهم ذمة ورحما))(29) او انه يذكر المدينة المنورة بقوله (( اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بملكه من البركة))وهنا ترد اشارتين لموقعين جغرافيين ،الاول هو مدينة الرسول عليه الصلاةوالسلام والثاني مكة سكن قريش ،كما حدثت احداث كثيرة كانت هي جزءاً منعملية نشر الدعوة الاسلامية في كثير من الاقاليم والامصار كان الرسول عليهالصلاة والسلام يعرف عنها الكثير حتى لكأنه عاش بين اهلها يعرف فيهاصفاتهم وخصالهم الحميدة وما قد يصدر عنهم ضد رسله ومبعوثيه الى اهاليها،ففي حادثة تدل على ما تقدم ان عليه الصلاة والسلام قد بث رسولاً الى اهلمنطقة ما في الجزيرة العربية فجوبه هذا الرجل بالسب والضرب من اهالي هذهالمنطقة الامر الذي استدعاه الى ان يشكو هذا الامر للرسول الكريم فاخبرهبلهجة العارف بتلك البيئة الجغرافية (( لو اناهل عُمان اتيت لما سبوك ولا ضربوك ))(30)،وفيه دلالة عميقة على معرفة مسبقة بسكان هذه المنطقة ،الامر الذي يدفعالباحث الى تصور البيئة الجغرافية التي احتضنت هؤلاء السكان ومدى تأثيرهافي طباعهم واخلاقهم.
ولم يكنذكر المواضع والمواقع الجغرافية في احاديث الرسول هي فقط ما صدر عنه فيهذا الشأن .بل انه كثيراً ما ذكر الانهار والجبال وعملية خلق السمواتوالارض ،كيف لا وهو المعلم الاول لاٍِِمة ارتضت لنفسها ان لا تقوم دعائمهاالاّ على العلم والايمان بالله وكتبه ورسله ،فقد سئل عليه الصلاة و السلامعن صحة ان الارض سبعاً فقال نعم والسموات سبع وقرأ((الله الذي خلق سبع سموات وفي الارض مثلهن))(31)
وفي ذكره الجبال والانهار يقول عليه الصلاة والسلام ((اربعةاجبال من جبال الجنة واربعة انهار من انهار الجنة واربعة ملاحم من ملاحمالجنة . قيل فما الاجبال ؟ قال أحد يحبنا ونحبه جبل من جبال الجنة ،والطورمن جبال الجنة ولبنان جبل من جبال الجنة والانهار الاربعة النيل والفراتوسيحان وجيحان والملاحم ،بدر وأحد والخندق وحنين))(32).
ووردتعنه عليه الصلاة والسلام احاديث كثيرة يذكر فيها الرياح ،كريح الدبوروالصبا وهي معروفة لدى العرب سابـقاً وقد ورد ذكرها في اشعارهم وعنها قال (( نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور)) والصبا والدبور رياح واحدتها عكس الاخرى فالاولى تهب من مشرق الشمس بعد استواء الليل والنهار والثانية تهب من مغربها .
ومماتقدم كله نستشف ان الحديث الكريم كان يحمل في طياته مضامين علمية كبيرةتدفع السامع لها من رجال العلم على ان يستزيدوا على ما تفتح لهم من نصحوارشاد في مضامين الكلام الذي سمعوه الامر الذي شجع البحث الجغرافي بشكلكبير لاثبات الدلالة التي كانت تشير لها هذه الاحاديث ،فضلاً عن ان فيهادافعاً قوياً نفسياً ومعنوياً اتجاه طلب العلم والاستزاده منه وجعله فيسبيل الله لنصرة الراية التي رفرفت في انحاء الجزيرة تدعوا لوحدانية اللهورفعة وسمو الانسان .

7. أثر الحج في تطور المعرفة الجغرافية :

رغمان الحج الى مكة ومدينة الرسول وما يتعلق به من شعائر جديدة لا بد من انينفذها المسلم الحاج اصبح شيئاً جديداً في تعاليم الدين الجديد لم تكنمعروفة عند العرب في سابق عهدهم الا ان الاماكن المقصودة كانت غير غريبةعلى العرب ،فرغم قداستها التي استحدثها الاسلام مع اهميتها في حياتهم كانتمناطق تجارة ومواسم عرفوها منذ سابق العهود . الاّ ان هذا الامر لم يكنمقصور على العرب في الجزيرة العربية بل تعداه الى الاقوام الاخرى التيامنت بالدين الجديد، والحج كما هو معروف ركن من اركانه ولذا فان هذهالفريضة يتطلب اداؤها سنوياً معرفة الطرق والمنازل والظواهر الجغرافيةالطبيعية والبشرية ،ومجئ المسلمين من ارجاء الدولة الاسلامية متوجهين الىالكعبة المشرفة تحتاج الى معرفة محطات التوقف الواقعة على الطرق المؤديةالى مكة ،فضلاً عن ان كثيراً من المسلمين لم يعتادوا مناخ الجزيرة العربيةفاذن لا بد لهم من التزود بالمعلومات المهمة في هذا الشأن ، الامر الذيدفع العرب الى تزويدهم بهذه المعلومات . ومع هذا فهناك فريق من الباحثينيقلل من تأثير الحج كونه عاملاً دفع المسلمين للاهتمام بالجغرافية باعتباران الطرق الى مكة والمدينة كانت معروفة منذ أمد العصور. ثم ان الحجيجكانوا يخرجون مع ركب كبير يقوده العارفون بالطرق ومسالكها . الامر الذيجعل هؤلاء العارفون والادلاء موضع اهتمام من الجغرافيين العرب في ذلكالزمان كالاصطخري وابن رسته مثلاً.(33)
ومعما تقدم فان للحج اثر في اثارة الحاجة الى المعرفة الجغرافية بالمواقعوالمواضع والطرق والمسالك المؤدية الى اماكن شعائر الحج ونجد هذا في كتبالبلدانيين واضحاً لانه كان نتيجة حاجة المسلمين له.

8. اثر دراسة الحديث في تطور المعرفة الجغرافية:

ممالا شك فيه ان القرآن الكريم هو مصدر التشريع الاول عند المسلمين تليهالسنة النبوية معبُر عنها بالاحاديث الشريفة . ولهذا فان المسلمين كانوابأشد الحاجة الى احاديث الرسول في مفردات حياتهم اليومية وقد غدا الامربينهم اشبه بالهاجس العلمي الذي يفترض تحقيقه حتى ان احد الفقهاء شبهالامر بان (الرجل الى الحديث احوج منه الى الاكل والشرب والحديث تفسيرالقرآن)(34) لهذا فان العناية بطلب الحديث وصحته كانت من غايات طلاب العلمالامر الذي كان حافزاً في دفعهم الى السفر من انحاء الدولة الاسلامية الىالمدينة المنورة موطن الحديث الشريف فضلاً عن ان تفرق الصحابة في الامصاربعد الفتوحات الاسلامية كان دافعاً اخر للطلاب للسفر الى حديث الصحابةسواء اكانوا في العراق او مصر او الشام او المغرب او فارس باعتبار كونهممن اصحاب الحديث الصحيح ليستلم عنهم التابعون (35) دقة الاحاديث وصحتها .فضلاً عن ان من كان يعرف احاديث بعينها يسكن في مكان يختلف عن صحابي كانفي مكان اخر ولذا فان الرحال كانت تشد لهؤلاء الصحابه حتى اصبح الباعثالديني عامل تسهيلٍ لكل العقبات والمشاق(36) . لذا فان الرحلة في طلبالحديث كانت اسمى ما يتمناه طالب العلم لانهم كانوا ينقلون عن الرجالالاوائل في رواية الحديث.
انالرحلة في طلب العلم حتمتها ظروف الحياة الجديدة التي اوجدها الاسلام لذافانها بدأت منذ ان كانوا الصحابة عليهم السلام على قيد الحياة واستمرت الىجيل التابعين ومن بعدهم الى وقت متأخر حتى بعد تدوين الحديث ،وذلك لانالدارسين للحديث اكدوا على ضرورة حفظ الحديث حتى انتشر العارفون بهذاالعلم في كل ارجاء العالم الاسلامي الى القرون المتأخرة يقرأون الحديث علىالكثير من الشيوخ(37).
انالحاجة الى ما تقدم كانت دافعاً الى التنقل بين اجزاء الدولة الاسلاميةلمقابلة الحفاظ للأخذ عنهم فكان ذلك امراً يحتم عليهم المرور بالكثير منالمدن والقرى ومنازل القبائل والاقوام العديدة فضلاً عن عبورهم الانهاروالبحار فكان ذلك وازعاً لوصف ما يمرون به من مواقع ومواضع جغرافية ليشكلهذا بعد ذلك تراثاً جغرافياً عالي المستوى لان من أورده كان طالب علمٍوعليه ان يعرف المناطق التي يمر بها علًّ الذي يحتاج الى ان يسلكها من بعديفيد من المعلومات التي توفرت عنده في رحلة من سبقه في هذا المجال .

9. أثر الفتح العربي الإسلامي في تطور المعرفة الجغرافية:

الفتحهو عملية نشر الاسلام في الاصقاع الاخرى غير المسلمة ولان الدين الاسلاميكان في ذلك العهد ديناً احدث اختلالاً في موازين القوى السائدة والاعرافالتي اجتمع عليها العرب وغير العرب والتقاليد التي الفوها فقد حورب بدايةالامر ولكن بعد ان اتضحت قيمه واراءه في حياة الناس واندفاع جموع الفقراءنحوه ونصر الله له بدأ ينتشر في ربوع الجزيرة العربية . ولكي يكتمل فضلالله على الناس بهذا الدين الجديد فقد حمله العرب المسلمون نحو العراقوالشام ومصر حتى اذا ما تم لهم ذلك اتجهوا به صوب بلاد فارس التي توغلوافيها بعد ان كانت تحكمها أعتى امبراطورية عرفتها تلك البلاد ليصلوا الىارض الهند عن طريقها ثم تلا ذلك فتح بلاد الروم وارمينيا والقوقازوامصاراً اخرى كثيرة(38).
ولابد من ان تحتاج هذه الدولة الوليدة الى تنظيم شؤون اقاليمها المحررة عنطريق ربطها ادارياً بعاصمة الدولة الاسلامية بعد ان تقسم الى اقاليموولايات ولمعرفة كيفية فرض الضرائب المقررة عليها وعمليات التوسع الاقليميومعرفة الحدود مع الدول الاخرى المتأخمة فضلاً عن الحاجة الى معرفة الطرقمن والى العاصمة لخدمة بريد الدولة وسير الجيش الاسلامي والتجارة والطرقالمؤدية الى بيت الله الحرام ، كل ذلك كان لا بد من ان يرتبط بمعرفة المدنوالقرى والاقاليم المحررة والطرق المؤدية لها والقادمة منها(39). وهكذاأصبح اهتمام العرب المسلمون بالبلاد المحررة جزءاً لا يتجزأ من عمل الدولةالإسلامية الجديدة ،لذا فان وصف هذه البلاد والعناية بأقاليمها أصبح جزءمن أخبار الفتوح والتنظيم الإداري لشؤون هذه الدولة الغنية ،ناهيك عن أنالاهتمام بهذه المناطق من حيث امكاناتها المادية وثرواتها وقدرتها على دفعالضرائب الأمر الذي يصح عليه تسمية (( جغرافية الإدارة)) (40) .
كانلعمليات التحرير التي قام بها المسلمون أثرها الواضح في تطور المعرفةالجغرافية عندهم حيث اتاحت لهم المجال لمعرفة أوضاع البلدان المحررةوالاطلاع على كل ما يتعلق بالحياة الحاضرة والماضية لهذه البلدان فضلا عنأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ،وسلوك سكانهاوعاداتهم وأعرافهم وقيمهم وأديانهم .
ومماتجدر الاشارة اليه الى ان انتشار الاسلام ولغة العرب في تلك البلدانالمحررة اتاحت للمسلمين فرصة الاضافة الى حضاراتها حتى غدا العربي المسلمضيفاً كريماً على من يفهم لغته في تلك البلدان . لذا نستطيع القول بانعوامل الوحدة السياسية والمواطنة الاسلامية وانتشار الامن ساهم الى حدكبير في اتاحة حرية الانتقال بين ربوع الدولة الاسلامية الامر الذي نشأعنه اتساع النشاط التجاري وازدياد حركته لان المسلمين كانوا قد فرضواالسيطرة على كل مامن شأنه تعكير الأمن ،وبذلك أصبحت الأصقاع الجديدةكنوزاً وغرائب للجغرافيين والباحثين العرب خصوصاً من اقاليم كثيرة كانتتختلف اختلافاً كبيراً في مناخها وطبيعتها وناسها مما كان له اكبر الاثرفي ان يكون هذا الاختلاف مادة ثرية للفكر الجغرافي العربي المسلم.
لذايمكن القول بان ما تقدم ساعد على ازدهار الجغرافية وان الفتوحات الاسلاميةاتاحت للعرب المسلمين منفذاً الى البحر المتوسط مثلما سمحت لهم على التوغلفي صحراء مصر واراضي المغرب الى ابعد الحدود جنوباً(41). فضلاً عن فتحبلاد ما وراء النهر وبلاد افغانستان والاندلس في حدود نهايات القرن السابعللميلاد قد اضاف مُلكاً للعرب كانوا بأمس الحاجة الى دراسته والتعرف علىاحواله لمعرفة طبيعته وخصائص مكانه فضلاً عن الطرق والمسالك المؤدية منهواليه تمهيداً لفرض قوانين الاسلام الجديدة وتطبيق شريعته وكمحاولة منالقيادة الاسلامية لتوثيق العُرى بينها وبين هؤلاء المسلمين الجدد.
وهكذانرى ان الفتوحات العربية الاسلامية كان لها فضلاً كبيراً على المعرفةالجغرافية وتطورها لدى العرب المسلمين لان اتساع رقعة الدولة الاسلاميةودخول اراضي جديدة لها ساعد المسلمين كثيراً على التعرف على هذه المناطقفكتبوا تصوراتهم عنها وعن طبيعة اراضيها ومناخها ومواردها المائية فكانافضل وصف جغرافي لتلك المناطق ،فضلاً عن رغبة المسلمين في معرفة احوالالبلاد المزمع فتحها وتحريرها وهناك قصصاً كثيرة عن هذا الموضوع لسنا بصددالاشارة لها.(42)
المراجع:
1. ابن منظور، لسـان العرب ،مجـلد رقم(1) دار صـادر بيروت 1300هـ ،ص175.
2. نفس المصدر السابق،ص176.
3. الدينوري، الانواء ،مجلس دائرة المعارف البريطانبة ،حيدر آياد 1956،ص3.
4. القشيري،صحيح مسلم،دار احياء الكتب العربية ،حلب،1955،ص83.
5. د.نوري حمودي القيسي ،الرياح والطبيعة في الشعر الجاهلي، دار الارشاد للطباعة والنشر ،بيروت،1970،ص176.
6. فوزي عطوي،المعلقات العشر ،الشركة اللبنانية للكتاب ،بيروت ،1969،ص26.
7. ابن منظور، لسـان العرب ،مجلد رقم(1) دار صادر بيروت 1300هـ ،ص175.
8. نفس المصدر السابق،ص176.
9. الدينوري، الانواء ،مجلس دائرة المعارف البريطانبة ،حيدر آياد 1956،ص3.
10. القشيري،صحيح مسلم،دار احياء الكتب العربية ،حلب،1955،ص83.
11. د.نوري حمودي القيسي ،الرياح والطبيعة في الشعر الجاهلي، دار الارشاد للطباعة والنشر ،بيروت،1970،ص176.
12. فوزي عطوي،المعلقات العشر ،الشركة اللبنانية للكتاب ،بيروت ،1969،ص26.
13. د. شاكر حضياك ، في الجغرافية العربية ، مطبعة دار السلام ،بغداد،1975،ص7.
14. ابو الريحان ،الأثار الباقية في القرون الخالية،لايزك ، 1921،ص336.
15. سورة ياسين ،اية 39.
16. صبري محمد حسن ،الجغرافيون العرب ،مطبعة القضاء،النجف،1958،ص14.
17. ميخائيل خوري،العلوم عند العرب مجلدا،بيت الحكمة,بيروت ،1970،ص305,
18. سورة الأنعام اية 97.
19. سورة البقرة اية 89.
20. انظر على سبيل المثال.حيدر لازم,المكان في الشعر العربي،رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الأداب،جامعة بغداد،1987,ص156 غير منثور.
21. الطبري،تاريخ الرسل والملوك ج2،القاهرة 1966،ص252.
22. ابن هشام ،سيرة ابن هشام،دار التحرير،القاهرة383ه،ص147.
23. سورة المجادلة اية 11 .
24. د. صالح العلي،مكانة العلم ودوره في حضارتنا،مجلة الفكر والتراث،جامعة بغداد ،بغداد،980ص154.
25. سورة النبأ اية 6.
26. سورة الشورى اية 7.
27. سورة ال عمران اية 96.
28. سورةالروم اية 2،3( غلبت الروم في ادنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون )،سورة الفجر اية 6،7،8(الم تر كيف فعل ربك بعاد،ارم ذات العماد،التي لميخلق مثلها البلاد) ،سورة طه اية 12 ،(اني انا ربك فاخلع نعليك انكبالوادي المقدس طوى )، سورة الفجر اية 9(وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ).
29. ابن خرذابه ،المسالك والممالك ،مطبعة بريل ،ليدن ،1889م،ص162.
30. ابن الفقيه ،مختصر كتاب البلدان ،مطبعة بريل ،ليدن،1302هـ،ص9.
31. المقدسي،التقاسيم في معرفة الاقاليم،مطبعة بريل ،ليدن،1906م،ص19.
32. كراتشوفكي، تاريخ الادب الجغرافي العربي ،ترجمة صلاح الدين عثمان،موسكو 957،ص47.
33. المصدر نفسه،ص48.
34. القرمذي ،الجامع الصحيح، بدون معلومات اخرى,ص29.
35. المصدر نفسه،ص29.
36. سلم،الصحيح،جـ2،ص994.
37. نفس المصدر ،جـ4، 1971.
38. ابن الفقيه ،مصدر سابق،ص3.
39. الطبراني،المعجم،جـ17،ص18.
40. حسين ثومن ،تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الاندلس، معهد الدراسات الاسلامية ،مدريد،1967،ص90.
41. ابو بكر ابن ثابت ،الكفاية في علم الرواية ،مجلس المعارف العثمانية ،حيدر ابادر ،1970،ص19.
42. الصحابيعليه السلام هو الرجل الذي عاصر الرسول عليه الصلاة والسلام وشاركهجزءاًمن حياته اما التابعي فهو الرجل الذي عاصر الصحابي ولم يعاصر الرسولالكريم.
43. عبد الرحمن ابن خلدون،العد وديوان المبتدأ والخبر جـ1،دار الكتاب اللبناني،بيروت،967،ص541.
44. الخطيب البغدادي،الرحلة في طلب الحديث،دار الكتب العلمية ،بيروت،1975،ص48.
45. احمد نفيس ،جهود المسلمين في الجغرافية ،ص27.
46. احمد عطية الله ،القاموس الاسلامي،مكتبة النهضة،القاهرة،1963،ص615.
47. نقولا زيادة ،الجغرافية والرحلات عند العرب ،دار الكتاب اللبناني،بيروت،1962،ص11.
48. د.احمد سوس في الجغرافية العربية،مطبعةنقابة المنتدى العرب، بغداد،974،ص106.
49. [

» الفكر الجغرافي عند الاغريق
» طبيعة الفكر الجغرافي وتطوره
» كتاب الفكر الجغرافي والكشوف الجغرافية
» اتجاهات الفكر الجغرافي الحديث والمعاصر
» بحث التربية البيئية في الفكر والمنهج الجغرافي الرابط