التربية

اذا كان قطار التفكير قد وصل بنا الى أن أسلوب تربية النساء للأطفال فى الشرق هو المتسبب فى الاختلافات الحضارية بين أطفال الشرق و أطفال الغرب فعلينا اذن معالجة أسلوب تنشئة نساء و أمهات المستقبل - فتيات و بنات اليوم.
الواقع أن التربية فى الشرق – كما تمارس – ينقصها الكثير من الحزم. ففى تربية الصبية كثيرا ما تلجأ الأمهات الى تمييز الأولاد عن البنات بأفضلية ليس لها فى الحقيقة ما يبررها. الصبى يسمح له بكثير من الممارسات التى ان أتت بها فتاة حل بها العقاب. و هذا النظام الغير عادل ينتج عنه غصة مبدئية فى حلوق الفتيات بينما لا يقوم أحد عادة بشرح سبب تلك التفرقة للبنات.
ثانيا فان الثقافة السائدة فى المجتمعات الشرقية أضحت ثقافة التليفزيون و توارت الثقافة المكتوبة الى الصفوف ما بعد الخلفية للصبية فى جميع الأحوال و للبنات فى معظمها. و بما أن الثقافة المكتوبة قد تراجعت كثيرا الى الخلف فقد حل محلها الاحتكاك بل الالتصاق المباشر بالصديقات يوميا و فى كل الأوقات و هو أمر ان كان يبدو فى ظاهره ايجابيا الا أن آثاره السلبية لا تقل قوة عن ايجابياته. تنشأ الفتاة مرتبطة بشدة بصديقتها حيث أنها لا تعرف لها عالما آخر و هذا يجعل منها فى المستقبل امرأة غير قادرة على البعد عن بيئتها (الهجرة أو تغيير المدينة أو حتى القرية ) كما أنها غير قادرة على كتمان الأسرار بسبب التداخل الشديد بين شخصها و شخص صديقتها منذ نعومة الأظافر. أضف الى ذلك العاطفية الشديدة الناتجة عن الالتصاق بالبيئة المحيطة و عدم تجربة أى جديد.
لابد اذن لنمو الشخصية السوية من وجود قدر أدنى من الاستقلال عن الآخرين و نحت شكل خاص متميز لهذه الشخصية يكون مفرقا له عن الآخرين و لكن ذلك يكون فى معظم الأحيان متعذرا بسبب أحادية الثقافة السائدة اجتماعيا و دراسيا و دينيا.
الحل يكمن اذن فى العمل على ابعاد الفتيات – لفترات قصيرة – عن ذلك الاطار الغير متجدد للمعيشة عن طريق رحلات أو نزهات الى مدن أخرى أو تبادل الاقامة لدى عائلات أخرى حتى يتسنى لهن التعرف على ما يغاير المألوف .
انه من الطبيعى أن يسمح الآباء للصبى اعتبارا من سن السادسة عشر عاما أن يتنقل داخل القطر مع أصدقائه فى رحلات عبر المدن المختلفة صيفا و شتاءا لمدة قد تصل الى عدة أسابيع قليلة و لكن القيام بذلك هو من الصعوبات الكبرى على البنات فهى دائما بصحبة عائلتها و الا فلا.
ان تلك التفرقة غير موجودة فى الغرب حيث يسمح للجنسين بنفس الحقوق من قبل الآباء مع الحرص أيضا على الجنسين من عدم التورط فيما لا تحمد عقباه.
الشىء الآخر الغائب فى بلادنا عن البنات هو الرياضة حيث أن النظرة السائدة الى البنت الرياضية هى الى من تضيع وقتها فى ما لا طائل من ورائه. ان النشاط الرياضى و ان كان مفيدا للجسم الا أن فائدته ربما تكون أعظم على الروح و المحتوى الاجتماعى . من خلال الرياضة يتعلم المرء قبول الهزيمة بلا مرارة تجاه المنتصر كما يتعلم أن هناك دائما امكانية لتحويلها الى نصر و كذلك يتعلم بعض النظام و الحفاظ على القواعد العامة للآداب و الخلق و كلها عناصر مفقودة فى مجتمعاتنا الشرقية.
أى أن الطريق لاعداد أمهات أقدر على تربية النشء لابد له أن يمر عبر مدرج الرياضة.
ان العنصر الثالث هو فى الواقع عنصرا مستوردا لا يد للثقافة السائدة فى وجوده و ان كان قد أضحى غالبا على أمره لا قبل لكثيرين بالوقوف فى وجهه و هو نظام التغذية. ان ما يطلق عليه الأوروبيون طعام القمامة أو طعام المخلفات – و المقصود به الطعام الذى تعارف الأمريكيون على تناوله – من ماكدونالدز و أشباهه قد غزا المنطقة العربية و أصبح عنصرا شبه رئيسيا لقضاء الأمسيات بالقرب من شاشات التليفزيون و معروف أن هناك اتجاها أوروبيا قويا لمحاربته لما له من تأثير ضار على الصحة.
و فى نهاية المطاف لابد من التذكير بأن كل تلك الأفكار و المقترحات ليس من شأنها أى تعكير لصفو الالتزام بقواعد الأديان و الخلق العام لأنه لا يوجد تعارض بين تعليم الفتاة و تثقيفها و صقل خبراتها تمهيدا لقيامها بدورها كأم مستقبلية و بين الالتزام بالقواعد الدينية و الخلقية و من المؤسف أنه فى الوقت الذى تعانى فيه المجتمعات العربية و الاسلامية كافة من سوء تربية الأطفال و تقهقر المستوى الثقافى و التعليمى العام فان الأصوات العالية تطالب بعزل الفتيات عن المجتمع و فرض ثقافة النقاب عليهن بعدما أصبح الحجاب هو الأساس.

merci

شكرااااااااا

شكرا جزيلا