الفصل الثاني: رسالة المؤسسة و أسس صياغتها و تقييمها
المطلب الأول: مفهوم رسالة المؤسسة و أهميتها
المبحث الأول: مفهوم رسالة المؤسسة:
هي الإجابة الوافية عن الأسئلة المتعلقة بالمنظمة و نشاطها لأنها: " الجملة التي تميز منشأة عن منشأة أخرى مشابهة." (1) ، و هي اللبنة الأساسية لبناء الإستراتيجية بحكم أنها: " الإطار الرئيسي المميز للمنظمة دون غيرها من المنظمات، من حيث مجال نشاطها و منتجاتها و عملائها و أسواقه،... بهدف بيان السبب الجوهري لوجود المنظمة و هويتها و عملياتها و ممارساته." (2) ، فهي تعمل كحافز يدفع العاملين إلى تحقيق الأهداف الفرعية و التي تتناسق و تتكامل مكونة الهدف العام للمنظمة، كما تعطي صورة عامة للعملاء بما يمكن أن توفره لهم من منافع،و حتى تكون الرسالة جيدة لابد أن تكون:
1- صياغة الرسالة بصورة واضحة، دقيقة و مختصرة بما يسهل فهمها و تذكرها لدى الأفراد، و في نفس الوقت قابلة للتعديل و التجديد بما يتناسب مع تغيرات البيئة الداخلية و الخارجية.
2- أن تكون عبارات الرسالة قابلة للتحويل إلى خطط و سياسات و ليست مجرد شعارات جوفاء.
3- أن تكون منطلقة من احتياجات السوق و العملاء و تتناسب مع قيم و أخلاقيات المنظمة و أهدافها.
4- العناصر أو الإجابات التي يجب أن تتوفر عليها الرسالة و يتم تقييمها و تقويمها على أساسها، تختلف باختلاف المفكرين و المسييرين، إلا أنه يظهر اتفاق ضمني على تسع عناصر أساسية لابد أن تشملها الرسالة الفعالة، و تظهر في شكل إجابات للأسئلة:
- العملاء: من هم عملاء أو زبائن المؤسسة؟
- السلع و الخدمات: ماهي السلع و الخدمات الرئيسة التي تقدمها مؤسستنا لزبائنها ؟
- الأسواق: ماهي الأسواق التي تتعامل ضمنها؟ و من هم منافسونا ؟
- التكنولوجيا: ماهي أسس التكنولوجيا التي تعتمد عليها مؤسستنا ؟
- الاهتمام بالبقاء و النمو و الربحية: هل مؤسستنا ملتزمة بالنمو و المركز المالي الجيد ؟ بمعنى ماهي التزامات المؤسسة نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية ؟
- الفلسفة و الإيديولوجيا: ماهي المعتقدات الأساسية و القيم و التطلعات و الأولويات الأخلاقية للمؤسسة. (3)
(1) محمد المحمدي الماضي، مرجع سابق، ص 55.
(2) عبد الحميد عبد الفتاح المغربي، مرجع سابق، ص 70.
(3) نادية العارف، التخطيط الإستراتيجي و العولمة، الدار الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2003-2004، ص 109.
- المفهوم الذاتي : ماهي قوانا الداخلية ؟ و ماهي ميزتنا التنافسية ؟
- الاهتمام بالصورة العامة: ماهي الانطباعات العامة لدى الجمهور عن الشركة ؟
- الاهتمام بالعمل: ماهي اتجاهات الشركة نحو العاملين ؟
المبحث الثاني: أهمية رسالة المؤسسة
انطلاقا من العناصر المكونة للرسالة و التي سبق الإشارة إليها، فإن للرسالة أهمية بالغة تكمن في:
1- أن الأهمية الأساسية للرسالة تكمن في أنها تعطي الإجابة عن السؤال : ماهو عملنا ؟ هذا السؤال الذي يرى بيتر داركر أنه يجب أن يطرح على المسيرين، لأنه يحدد الاتجاه العام للمؤسسة.
2- تضمن الرسالة توجيه الجهود و إجماعها للحصول على الأفضل في المؤسسة.
3- تمد المسير بالأسس الواضحة و المعايير اللازمة لعملية الاختيار الإستراتيجي، بحكم أنها تشتمل على العناصر الأساسية المحددة للإطار العام للمؤسسة، لعملاء، المنتجات، الأسواق، التكنولوجيا، البقاء و النمو و الربحية، الفلسفة و الإيديولوجية، المفهوم الذاتي، الصورة العامة و العاملين.
4- تحديد الرسالة للأطر و المجالات العامة للمؤسسة يسمح بتوفير المناخ الملائم لآداء العاملين.
5- توفر الرسالة على الأهداف العامة للمؤسسة يسهل تحويلها إلى أهداف فرعية و من ثمة إلى مهام و أنشطة محددة، بمعنى آخر تفصيل الأهداف العامة إلى المهام و الأنشطة الفرعية.
6- تعتبر الرسالة آداة للرقابة و التقييم.
7- يمكن من خلال الرسالة تحديد ثقافة و أخلاقيات و اتجاهات أصحاب القرار في المؤسسة.
8- إذا يمكن القول أنه للرسالة أهمية سواء للمؤسسة أو لمختلف الأطراف المتعاملة معها، لأن هذه الأخيرة تستطيع تحديد كيفية التعامل مع المؤسسة، لأنها تستنبط من الرسالة: العملاء، المنتجات، السوق،...
لقد تعززت أهمية الرسالة من خلال إحدى الدراسات الحديثة،(1) التي قامت بإجراء تحليل مقارن لـ 500 شركة بغية التعرف على أثر اهتمام المنظمات بوضع رسالة محددة و إعلانها بشكل ما، و شملت الدراسة شركات تتميز بكفاءة الآداء وأخرى تتسم بانخفاض الآداء، و خلصت الدراسة إلى اهتمام الشركات بوضع و تحديد رسالتها و الإفصاح عنها يعد من أهم أسباب تميزها و نجاحها.
(1) عبد الحميد عبد الفتاح المغربي، مرجع سابق، ص 72.
المبحث الثالث: مراحل تطور رسالة المؤسسة
تتطور الرسالة بتطور المؤسسة و ذلك لأن كل مرحلة من المراحل التي تمر بها المؤسسة ضمن حياتها تقتضي وجود تغيرات معينة، مما يستوجب تغير أو تعديل الرسالة، و الملاحظ عموما أن الرسالة تمر بأربعة مراحل، إلا أنه يمكن إجمالها في مطلبين أساسيين هما:
المطلب الأول: مراحل الرسالة غير الواضحة أو العامة
و تتضمن المؤسسات الصغيرة الحجم، أو التي لا تأخذ بمفهوم الإدارة الإستراتيجية أو المؤسسات التي تعمل دون أن تحاول أن تسأل نفسها عن المساحة التي ينبغي أن تشغلها في المجال الذي تعمل فيه (1) و بتطور المؤسسة و توسع مجالات عملها و تدخل أطراف جديدة بسبب تغير البيئة الداخلية لها، تظهر الحاجة إلى وضع رسالة واضحة.
المطلب الثاني: مراحل الرسالة المحددة
و تتميز الرسالة هنا بالتحديد، و تشمل مرحلتين:
- مرحلة وضع رسالة محددة: على الرغم من أن المؤسسة تحدد رسالتها في هذه الرسالة تتميز بالعمومية، لأن عباراتها و مضمونها ينقصهما التحديد الدقيق، و عدم وجود المقاييس و المحددات اللازمة لها كنسب النمو أو درجة الإشباع بالتالي يصعب تحديد ما إذا كانت المؤسسة قد حققت أهدافها أم لا.
المطلب الثالث: مرحلة وضع رسالة محددة
تتميز الرسالة في هذه المرحلة بالدقة و التحديد مما يسهل عملية التقييم و يستحسن أن تكون الرسالة مكتوبة حتى يسهل فهمها و متابعتها من قبل مختلف الأطراف إضافة إلى أنها تميز المؤسسة عن باقي المؤسسات المنافسة، و من أهم خصائص الرسالة في هذه المرحلة: (2)
1- تحديد الرسالة في مصطلحات يمكن قياسها.
2- وصف لدور الرسالة في بيان مكانة المنظمة ( المؤسسة).
3- توضيح دور الرسالة في تحقيق العوائد.
بتشعب نشاطات المؤسسة و توسع مجالاتها أكثر فأكثر تظهر المرحلة الرابعة لتطور الرسالة.
المطلب الرابع: مرحلة الأولويات في عرض مضمون الرسالة
المؤسسات الكبيرة الحجم تتميز بتعدد الأطراف المتعامل معها بسبب تعدد و توسع مجالات
(1) كاظم نزار الركابي، مرجع سابق، ص 175.
(2) عبد الحمديد عبد الفتاح المغربي، مرجع سابق، ص 75.
عملها، و ينتج عن ذلك ضرورة تعدد رسالة المؤسسة، لذلك يستلزم على المؤسسة ترتيب أولويات اهتمامها ضمن مضمون رسالتها، بمعنى آخر التوفيق بين مختلف الأطراف، مع احترام سلم أولوياتها بالتالي ترتيب الأولويات يحقق ومفهوم العمل الجماعي. (1)
في هذه المرحلة تأخذ الرسالة أهمية بالغة، حيث تصل في بعض المؤسسات الكبيرة إلى أن تكون موثقة في سجلات المنظمة. (2) ( المؤسسة) بدءا من لوائحها و قراراتها و تقاريرها السنوية و غيرها من نشرات المنظمة، لذلك فإن صياغة الرسالة تطلب جهدا و تركيزا أكبر.
المبحث الثالث: رسالة المؤسسة
المطلب الأول: صياغة رسالة المؤسسة
صياغة رسالة المؤسسة تتطلب كما سبق و أشرنا إلى الجهد و تركيز كبيرين، لأنها تتطلب دراسة و تحليل البيئة الداخلية و البيئة الخارجية للمؤسسة حتى تتمكن من تحديد ما تريد الوصول إليه مستقبل انطلاقا من وضعها الحالي ( الإمكانيات و الفرص الممكنة) و تركز المؤسسة عموما على ثلاث أبعاد في صياغة رسا لتها و تسمى مثلث أبعاد الرسالة و هي :
1 – الأهداف التي تسعى لتحقيقها مستقبلا.
2 – العمليات التي تقوم بها المنظمة ( المؤسسة) و تميزها عن غيرها من المنظمات.
3 – الموارد / المدخلات و تتمثل في درجة جودة المدخلات للعملية الإنتاجية و للمنظمة و قدرتها على جذب أفراد ذوي الكفاءة العالية و درجة استقرار مصادر التوريد المختلفة و القدرات الإدارية العالية التي تتمتع بها المنظمة.
شكل 01: مثلث أبعاد الرسالة
الرسالة
الأهداف العمليات
الموارد / المدخلات
المصدر: كاظم نزار الركابي، الإدارة الإستراتيجية، العولمة و المنافسة، دار وائل، عمان، الأردن، 204، ص 173.
(1) كاظم نزار عبد الفتاح المغربي، المرجع نفسه، ص 176.
(2) عبد الحميد عبد الفتاح المغربي، المرجع نفسه، ص 76.
إن مثلث أبعاد الرسالة يحدد الإطار العام للحكم على مدى جودة صياغة الرسالة، إلا أنه يمكن إضافة عناصر أخرى كالفرص و المخاطر، نقاط القوة و الضعف، مخرجات المؤسسة، كما أن التحديد و الدقة في صياغة الرسالة تستلزم في الوقت نفسه الاتساع بدرجة تسمح بالمزيد من الابتكار و الإبداع (1) و هذا يعطي أبعاد الرسالة شكلا هندسيا متعدد الأضلاع، و للتعبير عن رسالة المؤسسة توجد وجهتا نظر مختلفين.. (2)
1 – وجهة نظر الوصفية: ينادي أصحابها بضرورة أن تعكس العبارات فكرة التعظيم لبعض مؤشرات الأداء بالمنظمة فهي تعكس الأداء المثالي إما في صورة تعظيم لأحد المتغيرات الخاصة بالآداء كالربح أو العائد على رأس المال المستثمر، أو في صورة تدنية لبعض المتغيرات الأخرى المرتبطة بالآداء مثل الكلفة ( التكلفة). و تستخدم دائما المتغيرات كمقياس لمستوى آداء المنظمة ( المؤسسة).
2 – وجهة النظر المعيارية: و ترى أن المنظمة الفعالة هي تلك التي تعمل من خلال عدد من المعايير المحددة التي يمكن من خلالها تقييم مدى جودة العبارات التي تعكسها الرسالة، و يمكن استخدام عدد كبير من المعايير في تقييم العبارات.
بالتالي فإن وجهة النظر الأولى تسعى إلى الأمثلية: أما الثانية فتتميز بقربها من الواقع- أي واقعية- فوجهة النظر المعيارية تقود الأفراد داخل المنظمة بشكل واقعي بعيدا عن المثالية، بالتالي هي التي تتماشى حسب اعتقادنا بشكل أفضل مع شروط الرسالة: الدقة، الوضوح،..
المبحث الرابع: تقييم الرسالة للمؤسسة
توجد العديد من التوجهات لتقييم رسالة المؤسسة، فالبعض يرى أن الرسالة الجيدة هي التي تقود مختلف الأطراف المتعاملة مع المؤسسة في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم و مصالحها في نفس الوقت، لذلك فالرسالة الجيدة هي التي تقدم الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بعناصر الرسالة الفعالة (3) – في حين يحدد البعض ستة معايير لتقييم رسالة المؤسسة، يشملها الجدول التالي:
(1) محمد المحمدي الماضي، مرجع سابق، ص 59.
( 2) كاظم نزار الركابي، مرجع سابق، ص 172 نقلا عن .Elion,S,-Good and Constrains ,Journal of Management Studies, 1971, P-P, 292-295.
(3) محمد المحمدي الماضي، مرجع سابق، ص 60.
جدول المعايير المستخدمة في تقييم رسالة المؤسسة
المعــــيـار وصــف المعيـــار
1- نتائج محددة بدقة يعني وجود مصطلحات قابلة للقياس مع تحديد زمن محدد لتحقيقها
2- التوافق مع البيئة مدى تناغم المنظمة مع البيئة التي تعمل بها المنظمة حاليا أو من المتوقع أن تعمل معها في المستقبل
3 – طريقة الوصول وصف كيفية وصول المنظمة إلى النتائج المرغوبة من خللا الأنشطة
4 – التطابق الداخلي قياس مدى تطابق السياسات و الإجراءات و الخطط التي توضع على مستوى المنظمة أو على مستوى وحدات العمل
5 – تكامل المنظمة تحقيق درجة من التكامل بين أجزاء و مكونات المنظمة الرئيسية كأن توضح نطاق و حجم العمليات و تخصيص الموارد و المزايا و العيوب الخاصة المنظمة
6- إمكانية تحقيقها لابد و أن تكون واقعية و لكنها تعطي الفرصة للمنظمة للتحدي في نفس الوقت في حدود ما يمكن الحصول عليها من موارد
المصدر: كاظم نزار الركابي، الإدارة الإستراتيجية، العولمة و المنافسة، دار وائل، عمان، الأردن، 204، ص 173 نقلا عن Hofer, C, W, and Schondel, Strategy Formulation Analytical Concepts, St.Paul, West publication Co, 1978
معايير تقييم الرسالة لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار قبل و أثناء الصياغة، كما لابد من التقييم الدوري المستمر بعد ذلك حتى تتمكن الرسالة من تناول و شمول مختلف التغيرات التي يمكن أن تطرأ على البيئة الداخلية و الخارجية للمؤسسة و ما ينعكس من جراء ذلك على إستراتيجية المؤسسة خاصة و أن الرسالة تعتبر أكثر الأجزاء المرئية و الشعبية في إستراتيجية المؤسسة. (1)